فصل: من أقوال يحيى بن معاذ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال يحيى بن معاذ:

قال محمد بن محمود السمرقندي:
سمعت يحيى بن معاذ يقول: إن قال لي يوم القيامة عبدي ما غرك بي قلت إلهي برك بي.
وسمعته يقول وسئل أرنا عارفا قال: وأين أنتم فأريكم عجبا لقوم عموا عن العرفاء يطلبون الخلفاء.
وسمعته يقول استسلم القوم عندما فهموا.
وسمعته يقول من قوة اليقين ترك ما يرى لما لا يرى.
وسمعته يقول أيها المريدون إن اضررتم إلى طلب الدنيا فاطلبوها ولا تحبوها واشغلوا بها أبدانكم وعلقوا بغيرها قلوبكم فإنها دار ممر وليست بدار مقر الزاد منها والمقيل في غيرها.
وسمعته يقول: رضي الله عن قوم فغفر لهم السيئات وغضب على قوم فلم يقبل منهم الحسنات.
وسمعته يقول: يا ابن آدم مالك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت ومالك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت.
وسمعته يقول التوحيد في كلمة واحدة ما تصور في الأوهام فهو بخلافه.
وسمعته يقول طاعة لا حاجة بي إليها لا تمنعني مغفرة لا غناء بي عنها.
وسمعته يقول هو ألقاهم في الذنب يوم سمى نفسه العفو الغفور.
وسمعته يقول ذنب أفتقر به إليه أحب إلي من عمل أدل به عليه.
وسمعته يقول إلهي كيف لا أرجوك تغفر لي ذنبا رجاؤك ألقاني فيه.
وسمعته يقول إن الحكيم يشبع من ثمار فيه.
وسمعته يقول كيف أحب نفسي وقد عصتك وكيف لا أحبها وقد عرفتك.
وسمعته يقول إن وضع علينا عدله لم تبق لنا حسنة وإن أتى فضله لم تبق لنا سيئة.
وسمعته يقول إن غفرت فخير راحم وإن عذبت فغير ظالم.
وسمعته يقول إلهي ضيعت بالذنب نفسي فارددها بالعفو علي.
وسمعته يقول إلهي ارحمني لقدرتك علي أو لحاجتي إليك.
وسمعته يقول مسكين من علمه حجيجه ولسانه وفهمه القاطع لعذره.
وسمعته يقول ذنوب مزدحمة على عاقبة مبهمة ثم قال: إلهي سلامة إن لم تكن كرامة.
وسمعته يقول وسئل ما العبادة فقال حرفة حانوتها الخلوة وربحها الجنة.
وسمعته يقول يا من رباني في الطريق بنعمه وأشار لي في الورود إلى كرمه معرفتي بك دليلي عليك وحبي لك شفيعي إليك.
وسمعته يقول يا من أعطانا خير ما في خزائنه الإيمان به قبل السؤال لا تمنعنا عفوك مع السؤال.
وسمعته يقول إلهي إن إبليس لك عدو وهو لنا عدو وإنك لا تغيظه بشيء هو أنكأ له من عفوك فاعف عنا يا أرحم الراحمين.
وسمعته يقول يا من يغضب على من لا يسأله لا تمنع من قد سألك.
وسمعته يقول لا تقع للمؤمن سيئة إلا وهو خائف أن يؤخذ بها والخوف حسنة فيرجو أن يعفى عنها والرجاء حسنة وسمعته يقول إلهي لا تنس لي دلالتي عليك وإشارتي بالربوبية إليك رفعت إليك يدا بالذنوب مغلولة وعينا بالرجاء مكحولة فاقبلني لأنك ملك لطيف وارحمني لأني عبد ضعيف.
وسمعته يقول هذا سروري بك خائفا فكيف سروري بك آمنا هذا سروري بك في المجالس فكيف سروري بك في تلك المجالس هذا سروري بك في دار الفناء فكيف يكون سروري بك في دار البقاء.
عبد الله بن سهل قال سمعت يحيى بن معاذ يقول من أحب زينة الدنيا والآخرة فلينظر في العلم ومن أحب أن يعرف الزهد فلينظر في الحكمة ومن أحب أن يعرف مكارم الأخلاق فلينظر في فنون الآداب ومن أحب أن يستوثق من أسباب المعاش فليستكثر من الإخوان ومن أحب أن لا يؤذى فلا يؤذين ومن أحب رفعة الدنيا والآخرة فعليه بالتقوى. اهـ.

.بحث علمي:

إذا رجعنا إلى قصة إبراهيم عليه السلام وسيره بولده وحرمته إلى أرض مكة، وإسكانهما هناك، وما جرى عليهما من الأمر، حتى آل الأمر، إلى ذبح إسماعيل وفدائه من جانب الله وبنائهما البيت، وجدنا القصة دورة كاملة من السير العبودي الذي يسير به العبد من موطن نفسه إلى قرب ربه، ومن أرض البعد إلى حظيرة القرب بالاعراض عن زخارف الدنيا، وملاذها، وأمانيها من جاه، ومال، ونساء وأولاد، والانقلاع والتخلص عن وساوس الشياطين، وتكديرهم صفو الإخلاص والإقبال والتوجه إلى مقام الرب ودار الكبرياء.
فها هي وقائع متفرقة مترتبة تسلسلت وتألفت قصة تاريخية تحكي عن سير عبودي من العبد إلى الله سبحانه وتشمل من أدب السير والطلب والحضور ورسوم الحب والوله والإخلاص على ما كلما زدت في تدبره إمعانا زادك استنارة ولمعانا.
ثم: إن الله سبحانه أمر خليله إبراهيم، أن يشرع للناس عمل الحج، كما قال: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق إلى آخر الآيات} الحج- 27، وما شرعه عليه السلام وإن لم يكن معلوما لنا بجميع خصوصياته، لكنه كان شعارا دينيا عند العرب في الجاهلية إلى أن بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشرع فيه ما شرع ولم يخالف فيه ما شرعه إبراهيم إلا بالتكميل كما يدل عليه قوله تعالى: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا} الأنعام- 161، وقوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى} الشورى- 13.
وكيف كان فما شرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من نسك الحج المشتمل على الاحرام والوقوف بعرفات ومبيت المشعر والتضحية ورمى الجمرات والسعى بين الصفا والمروة والطواف والصلاة بالمقام تحكي قصة إبراهيم، وتمثل مواق فهو مواقف أهله ومشاهدهم ويا لها من مواقف طاهرة إلهية القائد إليها جذبة الربوبية والسائق نحوها ذلة العبودية.
والعبادات المشروعة- على مشرعيها أفضل السلام- صور لمواقف الكملين من الأنبياء من ربهم، وتماثيل تحكي عن مواردهم ومصادرهم في مسيرهم إلى مقام القرب والزلفى، كما قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب- 21]. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الكريم في قوله تعالى: {ربنا واجعلنا مسلمين} قال: مخلصين.
أخرج ابن أبي حاتم عن سلام بن أبي مطيع في هذه الآية قال: كانا مسلمين ولكن سألاه الثبات.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} يعنيان العرب.
وأما قوله تعالى: {وأرنا مناسكنا}.
أخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم والأزرقي عن مجاهد قال: قال إبراهيم عليه السلام: رب أرنا مناسكنا. فاتاه جبريل فأتى به البيت فقال: ارفع القواعد. فرفع القواعد وأتم البنيان، ثم أخذ بيده فأخرجه، فانطلق به إلى الصفا قال: هذا من شعائر الله، ثم انطلق به إلى المروة فقال: وهذا من شعائر الله، ثم انطلق به نحو منى، فلما كان من العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة فقال: كبر وارمه. فكبر ورماه، ثم انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى، فلما حاذى به جبريل وإبراهيم قال له: كبر وارمه. فكبر ورمى، فذهب إبليس حتى أتى الجمرة القصوى، فقال له جبريل: كبر وارمه. فكبر ورمى، فذهب إبليس وكان الخبيث أراد أن يدخل في الحج شيئًا فلم يستطع، فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام، فقال: هذا المشعر الحرام، ثم ذهب حتى أتى به عرفات قال: قد عرفت ما أريتك؟ قالها ثلاث مرات. قال: نعم. قال: فأذن في الناس بالحج. قال: وكيف أؤذن؟ قال: قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم ثلاث مرات، فأجاب العباد لبيك اللهم ربنا لبيك، فمن أجاب إبراهيم يومئذ من الخلق فهو حاج.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن المسيب عن علي قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال: قد فعلت أي رب فأرنا مناسكنا، أبرزها لنا، علمناها، فبعث الله جبريل فحج به.
وأخرج سعيد بن منصور الأزرقي عن مجاهد قال: حج إبراهيم وإسمعيل وهما ماشيان.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: كان المقام في أصل الكعبة، فقام عليه إبراهيم فتفرجت عنه هذه الجبال أبو قبيس وصاحبه إلى ما بينه وبين عرفات، فأراه مناسكه حتى انتهى إليه، فقال: عرفت؟ قال: نعم. فسميت عرفات.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي مجلز في قوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل} [البقرة: 127] قال: لما فرغ إبراهيم من البيت جاءه جبريل أراه الطواف بالبيت والصفا والمروة، ثم انطلقا إلى العقبة فعرض لهما الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات، فرمى وكبَّر وقال لإِبراهيم: ارم وكبر مع كل رمية حتى أمَلَّ الشيطان، ثم انطلقا إلى الجمرة الوسطى فعرض لهما الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات فرميا وكبرا مع كل رمية حتى املَّ الشيطان، ثم أتيا الجمرة القصوى فعرض لهما الشيطان، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات، وقال: ارم وكبر.
فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أقل، ثم أتى به إلى منى فقال: هاهنا يحلق الناس رءوسهم، ثم أتى به جمعًا فقال: هاهنا يجمع الناس الصلاة، ثم أتى به عرفات فقال: عرفت...؟ قال: نعم. فمن ثم سميت عرفات.
واخرج الأزرقي عن زهير بن محمد قال: لما فرغ إبراهيم من البيت الحرام قال: أي رب قد فعلت فأرنا مناسكنا، فبعث الله إليه جبريل فحج به، حتى إذا جاء يوم النحر عرض له إبليس فقال: احصب. فحصب سبع حصيات، ثم الغد ثم اليوم الثالث فملأ ما بين الجبلين، ثم علا على منبر فقال: يا عباد الله أجيبوا ربكم، فسمع دعوته من بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان، قالوا: لبيك اللهم لبيك. قال: ولم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدًا، ولولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها. قال: وأول من أجاب حين أذن بالحج أهل اليمن.
وأخرج الأزرقي عن مجاهد في قوله: {وأرنا مناسكنا} قال: مذابحنا.
وأخرج الجندي عن مجاهد قال: قال الله لإِبراهيم عليه السلام: «قم فابن لي بيتًا قال: أي رب أين؟ قال: سأخبرك فبعث الله إليه سحابة لها رأس فقالت: يا إبراهيم إن ربك يأمرك أن تخط قدر هذه السحابة قال: فجعل إبراهيم ينظر إلى السحابة ويخط فقالت: قد فعلت؟ قال: نعم فارتفعت السحابة فحفر إبراهيم فأبرز عن أساس نابت من الأرض فبنى إبراهيم، فلما فرغ قال: أي رب قد فعلت فأرنا مناسكنا فبعث الله إليه جبريل يحج به، حتى إذا جاء يوم النحر عرض له إبليس فقال له جبريل: احصب فحصب بسبع حصيات، ثم الغد، ثم اليوم الثالث فالرابع، ثم قال: أعل ثبيرًا فعلا ثبيرًا فقال: أي عباد الله أجيبوا، أي عباد الله أطيعوا الله فسمع دعوته ما بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من الإِيمان، قالوا: لبيك أطعناك اللهم أطعناك، وهي التي أتى الله إبراهيم في المناسك: لبيك اللهم لبيك، ولم يزل على الأرض سبعة مسلمون فصاعدًا، لولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها».
وأخرج ابن خزيمة والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رفعه قال: «لما أتى إبراهيم خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض»، قال ابن عباس: الشيطان ترجمون، وملة أبيكم إبراهيم تتبعون.
وأخرج الطيالسي وأحمد وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس قال: إن إبراهيم لما رأى المناسك عرض له الشيطان عند المسعى، فسابق إبراهيم فسبقه إبراهيم، ثم انطلق به جبريل حتى أراه مِنى فقال: هذا مناخ الناس.
فلما انتهى إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به جمرة الوسطى فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم أتى به جمرة القصوى فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، فأتى به جمعًا فقال: هذا المشعر. ثم أتى به عرفة فقال: هذه عرفة. فقال له جبريل: أعرفت؟ قال: نعم. ولذلك سميت عرفة. أتدري كيف كانت التلبية؟: أن إبراهيم لما أمر أن يؤذن في الناس بالحج، أمرت الجبال فخفضت رءوسها ورفعت له القرى، فأذن في الناس بالحج.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وأرنا مناسكنا} قال: أراهما الله مناسكهما. الموقف بعرفات، والإِفاضة من جمع، ورمي الجمار والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة. اهـ.

.فصل في الإسرائيليات في بناء الكعبة: البيت الحرام والحجر الأسود:

قال الدكتور محمد أبو شهبة:
وكذلك أكثَرَ السيوطي في تفسيره: الدر المنثور عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، من النقل عن الأزرقي، وأمثاله من المؤرخين والمفسرين الذين هم كحاطبي ليل، ولا يميزون بين الغث والسمين، والمقبول، والمردود، في بناء البيت، ومن بناه قبل إبراهيم: أهم الملائكة أم آدم؟ والحجر الأسود ومن أين جاء؟ وما ورد في فضلهما، وقد استغرق في هذا النقل الذي معظمه من الإسرائيليات التي أخذت عن أهل الكتاب بضع عشرة صحيفة، لا يزيد ما صح منها أو ثبت عن عُشْرِ هذا المقدار.
ولو أنه اقتصر على الرواية الصحيحة التي رواها البخاري في صحيحه، ورواها غيره من العلماء الأثبات، لأراحنا، وأراح نفسه، ولما أفسد العقول، وسمم النفوس بكل هذه الإسرائيليات، التي نحن في غنية عنها بما تواتر من القرآن، وثبت من السنة الصحيحة؛ وفي الحق: أن ابن جرير كان مقتصدا في الإكثار من ذكر الإسرائيليات في هذا الموضع، وإن كان لم يسلم منها، وذكر بعضها، وذلك مثل ما رواه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لما أهبط الله آدم من الجنة قال: إني مهبط معك بيتا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي، ويصلى عنده، كما يصلى عند عرشي، فلما كان زمن الطوفان، رفع، فكانت الأنبياء يحجونه، ولا يعلمون مكانه، حتى بوأه الله إبراهيم عليه السلام وأعلمه مكانه، فبناه من خمسة أجبل: من حراء، وثبير، ولبنان، وجبل الطور، وجبل الخمر.
وأعجب من ذلك: ما رواه بسنده عن عطاء بن أبي رباح، قال: لما أهبط الله آدم من الجنة: كان رجلاه في الأرض، ورأسه في السماء!! يسمع كلام أهل السماء ودعاءهم، يأنس إليهم فهابته الملائكة، حتى شكت إلى الله في دعائها، وفي صلاتها، فوجه إلى مكة، فكان موضع قدمه قرية وخطوه مفازة حتى انتهى إلى مكة وأنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن فلم يزل يطوف به، حتى أنزل الله الطوفان فرفعت تلك الياقوتة، حتى بعث الله إبراهيم، فبناه، فذلك قول الله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} إلى غير ذلك مما مرجعه إلى أخبار بني إسرائيل وخرافاتهم، ولم يصح في ذلك خبر عن المعصوم صلى الله عليه وسلم، ويرحم الله الإمام الحافظ ابن كثير؛ فقد بين لنا منشأ معظم هذه الروايات التي هي من صنع بني إسرائيل، ودس زنادقتهم، فقد قال فيما رواه البيهقي في الدلائل من طرق عن عبد الله بن عمرو ابن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم: «بعض الله جبريل إلى آدم، فأمره، ببناء البيت، فبناه آدم، ثم أمره بالطواف به، وقال له: أنت أول الناس، وهنا أول بيت وضع اللناس».
قال ابن كثير: إنه من مفردات ابن لهيعة، وهو ضعيف، والأشبه والله أعلم أن يكون موقوفا على عبد الله بن عمرو بن العاص، ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك، من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث بما فيهما.
وقال في بدايته: ولم يجئ في خبر صحيح عن المعصوم: أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه السلام ومن تمسك في هذا بقوله: {مَكَانَ الْبَيْتِ} فليس بناهض ولا ظاهر، لأن مراده: مكانه المقدر في علم الله تعالى، المقرر في قدرته، المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم. اهـ.